كيف نشأت سلالات الحمام المستأنس؟ _ الجزء الأول



( كيف نشأت سلالات الحمام المستأنس؟_ الجزء الأول) :_
الحمام المستأنس، ويسمى أيضاً الحمام المنزلي، أو الحمام الأليف، والإسم العلمي لهColumba livia domestica)، أو : ( Columba domestica)، ويشمل الحمام المستأنس، كل أنواع حمام التربية، ويمكن أن تندرج سلالات وأنواع الحمام المستأنس، تحت هذه المجموعات الرئيسية (الكبيرة)، التالية :
١_ الحمام الزينة العالمي، ويسمى بالإنجليزية : ( Fancy Pigoens)، ويندرج طبعاً تحت الحمام الزينة، مجموعات فرعية كثيرة، تضم عدد كبير من الأنواع والأصناف، ويندرج أيضاً تحت الحمام الزينة بعضاً من حمام الطيران والإستعراض.
٢ _ الحمام الزاجل، أو حمام السباق، أو مراسلات السباق،والمقصود سلالات الزاجل الحديث ( Modern Homers)،ويسمى بالإنجليزية : ( Racing Pigoens)، أو : ( Homing pigeons)، أو : ( Working Homers)، ويندرج تحته عائلات كثيرة من الحمام التي تم الحفاظ عليها وتطويرها من قبل كبار المربيين قديماً وحديثاً.
٣ _ حمام إنتاج اللحم، أو سلالات الحمام الزراعي، وبعض هذه السلالات ثنائية الغرض تربى بغرض إنتاج اللحم إضافة إلى أنه له مواصفات جمالية، تضعه تحت أنواع حمام الزينة.
٤_الحمام المصري، والمعروف إصطلاحاً بإسم : (الحمام الغزار)، ويندرج تحته مجموعة من الأنواع المتباينة الصفات، ويطلق الغربيون على الحمام الغزار، إسم Egyptian Swift Pigoens،ولأن الحمام الغزار، هو حمام طيران، وفي نفس الوقت حمام له مواصفات جمالية عالية، فهو حمام يعتبر ثنائي الغرض،حيث يربى من أجل طريقة طيرانه المميزة، وأيضاً من أجل جمال شكله، ولأنه يحمل صفاتاً مظهرية جميلة، فيما يشبه الغرض من تربية الحمام الزينة، لذلك أطلق عليه الهاوي الكبير الراحل، الأستاذ : محمد فتحي البقلي، إسم : (حمام الزينة المصري).
٥_حمام المراسلات المصري، وهي سلالة من الحمام، التي تميزت مصر بوجودها فيها منذ زمن طويل، وتقريباً السلالة تحمل صفاتاً واحدة، عدا الإختلاف في اللون، ويمكن إضافتها إلى الحمام الزينة لما تتميز به من صفات جمالية رائعة، وجديراً بالذكر أن من سلالات حمام الزينة العالمي، مجموعة تصنف تحت إسم : (مراسلات المعارض)، وبعض هذه السلالات يشبه المراسلات المصري، نقول يشبهها فقط، دون التطابق، لذلك يمكن أن نطلق على المراسلات المصرية، إسم : ( مراسلات المعارض المصرية).
_ وجديراً بالذكر أن هناك أصنافاً كثيرة من الحمام خارج هذه التصنيفات، نظراً لوجود أصنافاً كثيرة من الحمام المحلي، في كثير من البلدان ، ولكنه لم يخرج بعد إلى العالمية.
_ والآن بعد أن إستعرضنا معاً بعض المجموعات التي تمثل الحمام المستأنس، ندخل إلى موضوعنا الرئيسي، وهو يدور حول الإجابة، على هذا التساؤل : كيف نشأت سلالات الحمام المستأنس؟
للإجابة بشكل مباشر نقول، أن هذه الأنواع (وغيرها) جميعها من الحمام المستأنس، والتي تتنوع وتتباين وتختلف فيما بينها، في الكثير من الصفات، نشأت عن طريقتين لا ثالث لهما، وهما، الطفرات، والتهجين، وإلى حضراتكم، مزيداً من التفاصيل، حول مصطلحي، الطفرات، والتهجين.
_ أجمع العلماء أن جميع أنواع وسلالات الحمام المستأنس العريقة، إنحدرت(أي تولدت) من الحمام البري، والبداية كانت مع إستئناس بعضاً من الحمام البري بواسطة الإنسان، ويقدر العلماء أن هذا حدث منذ أربعة آلاف عام أو أكثر، مع إستئناس بعض من الحمام البري، وإنتاج هذا الحمام، إبتدأ يظهر في النسل حمام به بعض الصفات المختلفة عن الأصل، وهنا بما لدى الإنسان من الذكاء، وقوة الملاحظة، ومع التجربة، إستطاع تثبيت هذه الأشكال التي إستحسنها من الحمام الجديد، ويفسر العلماء ظهور هذه الصفات الجديدة، والأشكال الجديدة من الحمام، بسبب حدوث مايسمى في علم الوراثة، بإسم : الطفرات ( Mutations).
وللفائدة، سأكتب هنا التعريف العلمي للطفرة، كما جاء بكتاب : علم الحيوان، صفحة ١٥٩ :
( الطفرات MUTATIONS :
تعرف الطفرة بأنها صفة جديدة، لم تكن معروفة في النوع من قبل، وتظهر نتيجة لتغير مفاجئ في الجين الخاص بهذه الصفة، وعلى ذلك فالطفرات تشمل جميع التغيرات التي تحدث في المادة الوراثية وتؤدي إلى تغيير الطرز المظهري للفرد أو النوع، هذه التغيرات إما أن تحدث في المكونات الدقيقة للجينات، أو في تركيب وعدد الكروموسومات، ويطلق على الطرز المظهرية الجديدة الناتجة عن حدوث الطفرات : بالطرز الطفرية mutants، وقد تورث صفاتها الجديدة جيلاً بعد جيل.
وقد تكون الطفرة من الشدة بحيث تحدث تغيراً كبيراً في المظهر المألوف للفرد، أو قد تكون طفيفة حتى أنه لا يظهر أثرها إلا إذا إرتبطت جيناتها بجينات أخرى).
(إنتهى الإقتباس من الكتاب المذكور).
وهنا أحب أن أسجل تعليقاً مهماً، على هذه الجزئية، وسنقتبسه بالنص، من النسخة المترجمة لكتاب : حمام الزينة، وهو الصادر في ألمانيا عام ١٩٨٦،وتم ترجمته عام ٢٠٠١،بمعرفة شركة بريمواي السعودية، ومقرها في لندن، حيث يقول المؤلفان :
( من الواضح أن السلالات المتعددة لحمامنا المستأنس قد نشأت في مناطق مختلفة، نتيجة لحدوث طفرات وراثية " تغيرات في الجينات" بسبب التدخل الإنتقائي للبشر أثناء عملية التناسل).
(أنظر هذا الإقتباس في صفحة١٤ من الكتاب المذكور).
وأنا أحب أن أوضح هنا أربعة نقاط مهمة :
_ الأولى : أن نوع الطفرات الذي حدث ونتج عنه السلالات القديمة أو العريقة من الحمام المستأنس، هي طفرات : تغيرات في الجينات، وليس تغيير في تركيب أو عدد الكروموسومات.
_ الثانية : أن التدخل البشري هو السبب في الإستفادة من الطفرات، لما للبشر من ذكاء وقوة ملاحظة، وتذوق لما هو أجمل، وهذه هبات وضعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، إستخدمها الإنسان في عملية الإنتقاء، أو الإنتخاب سواء للصفات أو الأنواع التي إستحسنها في الحمام الجديد الذي ظهر نتيجة الطفرات، وجديراً بالذكر أنه بسبب تدخل الإنسان في عملية الإختيار، سميت هذه العملية من الإنتخاب : الإنتخاب الإصطناعي artificial selection
وهو على عكس ما يسمى بالإنتخاب الطبيعي natural selection الذي يحدث في الطبيعة تحت عين وتدبير الخالق سبحانه وتعالى بدون التدخل من الإنسان.
_ الثالثة : أن هناك طريقتين رئيسيتين لعمل الطفرات، وهما : الطفرات التلقائية Spontaneons mutations وهي الطفرات التي تحدث تلقائياً وبصورة مفاجئة في الحيوان أو النبات دون تدخل عوامل خارجية، والطريقة الثانية من الطفرات هي : الطفرات المستحدثة Induced mutations، وهي الطفرات التي تحدث بتأثير عوامل أو مسببات طبيعية أو كيميائية خارجية خاصة، وأنا أرجح أن الطريقة التي عملت بها الطفرات في الحمام والتي تسببت في حدوث ظهور صفات وأنواع جديدة من الحمام هي الطريقة الأولى، أي الطفرات التلقائية Spontaneons mutations.
_ الرابعة : للطفرات وجهان، الوجه الإيجابي والمفيد، وهو ما أشرنا إليه فيما سبق، الطفرات التي كانت مفيدة في ظهور صفات جديدة وأشكال جديدة من الحمام جيدة، أما الوجه الثاني للطفرات، فهو الوجه السلبي والضار، والذي بسببه تظهر الأمراض الوراثية، وأيضاً هناك طفرات مميتة.
_والآن ننتقل إلى نقطة مهمة في بحثنا، وهي :
بالرغم من أن حقيقة أن سلالات الحمام المستأنس العريقة، نشأت وتولدت من الحمام البري، حقيقة لا يختلف عليها العلماء، إلا أن هناك إختلاف حول :
هل إنحدرت سلالات الحمام المستأنس من نوع واحد من الحمام البري(النشأة الأحادية)، أم تولدت سلالات الحمام المستأنس من عدة أنواع من الحمام البري (النشأة التعددية )؟.
وتتلخص الإجابة في رآيين ،نوردهم فيما يلي:
_ الرأي الأول :
الحمام المستأنس نشأ من نوع واحد من الحمام البري :
يعتقد عدد من العلماء البارزين، أن الحمام المستأنس نشأ من نوع واحد من الحمام البري، وهو حمام الصخور، وإسمه العلمي : Columba livia،ولذلك هؤلاء يطلقون على الحمام المستأنس، الإسم العلمي : Columba livia domestica، ويأتي في مقدمة هؤلاء العلماء، عالم الطبيعة الإنجليزي الشهير : تشارلز داروين المتوفي عام ١٨٨٢، وأيضاً عالم الحيوان الألماني : و. هينروث المتوفي عام ١٩٤٥،بالإضافة إلى عدد آخر من العلماء ذوي الشهرة الواسعة،والذين إعتمدت النتائج التي توصلوا إليها على الأبحاث المتعلقة بفصيلة الدم، مثل الأمريكي : ل. ج. كولي المتوفي عام ١٩٤٨،فهؤلاء جميعاً وغيرهم، يتبنون نظرية النشأة الأحادية الأرومة (مفردة السلالة)، للحمام المستأنس حيث يعتقدون أنه نشأ من نوع الحمام البري حمام الصخور Columba livia فقط.
_ الرأي الثاني :
سلالات الحمام المستأنس نشأت نتيجة تولدها من عدة أنواع من الحمام البري :
يتبنى بعض علماء الطيور البارزين، مثل : س. ل. برليهم المتوفي عام١٨٦٤، وأيضاً : ك. روب المتوفي عام ١٨٩٩،و أيضاً العالم الإيطالي : أ. غياجي، الذي ظهرت أهم مؤلفاته بين عامي ١٩٠٨و١٩٢٣، فهؤلاء يتبنون وجهة نظر مختلفة، فهم يعتقدون بالنشأة متعددة الأصول (متعددة السلالات)، للحمام المستأنس، كما أن : و. م. ليفي الذي من المحتمل أن يكون أهم مربي وكاتب متخصص في هذا المجال خلال العصر الحديث، يشاطر : أ. غياجي رأيه، وبالمثل، فإن عالم الحيوان الأمريكي : س. و. وتمان المتوفي عام ١٩١٠، يتبنى الفرضية القائلة أن الحمام المستأنس، قد نشأ نتيجة لتهجين نوعين أو أربعة أنواع من الحمام البري، بما في ذلك حمام الصخور.
وأصحاب هذا التيار يطلقون على الحمام المستأنس، الإسم العلمي : Columba domestica، وهنا تم حذف كلمة : livia، تعبيراً عن أن الحمام المستأنس نشأ من عدة سلالات من الحمام البري، وليس فقط حمام الصخور Columba livia.
_ وهنا أحب أن أسجل بعض الملاحظات الهامة :
١ _ فكما يبدو من ما سبق، بالنسبة لرأي، العالم تشارلز داروين، أنه يتبنى بشكل مطلق، الرأي القائل أن الحمام المستأنس، إنحدر من نوع واحد من الحمام البري، وهو حمام الصخور Columba livia،إلا أن بعض الباحثين، يفسر رأي داروين النهائي في هذه النقطة، بتفسير آخر، وإلى حضراتكم إقتباس، من كتاب : الحمام هذا الطائر الجميل، تأليف، الأستاذ الدكتور : محمد السيد سلطان، يلقي بعض الضوء على هذه النقطة :
(الأنواع والأصناف: Breeds and Varieties
من المعلوم أن الأنواع الحالية من الحمام قد أستنبطت من أنواع من الحمام البري التي تم إستئناسها بواسطة الإنسان عبر العصور المختلفة، وسنذكر بعضاً من هذه الأنواع البرية :
١_ Blue barred Rock Pigeon
الروك الأزرق المخطط " Columba livia" فقد قال داروين عام ١٨٥٩ ص ٤٦٢ _ المقصود هنا في كتابه أصل الأنواع _ أنه يعتقد أن أنواع الحمام أستنبطت من نوع بري واحد، ثم عاد وقال في صفحة ١٤٠ لعام ١٨٦٧ _ أعتقد أنه قام بعمل طبعة معدلة من كتاب أصل الأنواع _ أن حمام الروك يعتقد أنه الأصل المشترك لأنواع الحمام المختلفة.
هذه النظرية من وجهة نظر داروين توضح أن حمام الروك المخطط الأزرق هو الجد لكل أنواع الحمام المستأنس وقبلت لعدة قرون " Evans عام ١٩٠٠ ").
( إنتهى الإقتباس من كتاب الحمام هذا الطائر الجميل صفحة ٥٧).
ونفهم من ذلك، أن داروين رأي أن نوع الحمام البري، المعروف بإسم حمام الصخور والإسم العلمي له Columba livia هو الأصل الأوحد للحمام المستأنس عام ١٨٥٩، ثم عاد في عام ١٨٦٧ عدل رأيه بعض الشيء فقال أنه يرى أن حمام الصخور وهو نفسه الذي يسمى الروك بيجون هو الأصل المشترك لأنواع الحمام المختلفة.
ومعنى قوله أصل مشترك فهو إعتراف ضمني بأنواع أخرى تعتبر جنباً إلى جنب مع حمام الصخور، أصل للأنواع المختلفة من الحمام المستأنس.
٢_ الأستاذ الدكتور : محمد السيد سلطان، في كتاب : الحمام هذا الطائر الجميل، يكتب، ما نفهم منه أنه هو نفسه يأخذ بالراي الثاني، وهو أن الحمام المستأنس، تولد من عدة أنواع من الحمام البري، وليس نوعاً واحداً، وهو قد أورد ٥ أنواع من الحمام البري، على سبيل المثال للأنواع التي تولد منها الحمام المستأنس.
٣_ أيضاً كتاب : حمام الزينة، للمؤلفان : إريك مولر، و: لودفيج شراج، المطبوع في ألمانيا عام : ١٩٨٦، من الواضح أنهما على قناعة بأن الحمام المستأنس، تولد من عدة أنواع من الحمام البري.
(هذا الكتاب رجعنا له في كثير من النقط بهذه السلسلة، النسخة المترجمة إلى اللغة العربية بمعرفة شركة بريمواي عام ٢٠٠١).
٤_ فبالرغم من أن هناك كما أوردنا رآيين، في موضوع تولد الحمام المستأنس، من جهة أحادية النوع، أو تعدد الأنواع، التي تعتبر الأصل الذي نشأت منه السلالات العريقة للحمام المستأنس، إلا أن معظم المراجع العلمية ، ومنها المصرية، في التصنيف العلمي للحمام المستأنس، تنسبه فقط إلى النوع البري الصخري Columba livia.
(أنظر على سبيل المثال :
كتاب : بيولوجية الحيوان العملية،الجزء الثاني، تصنيف الحيوان، الطبعة العشرون، تأليف المرحومين :أ. د أحمد حماد الحسيني، و: أ. د إميل شنودة دميان، كلية العلوم، جامعة عين شمس، صفحة ٢٨٤.
كتاب : أساسيات إنتاج الدواجن، قسم الإنتاج الحيواني، كلية الزراعة، جامعة الأسكندرية، تأليف أعضاء هيئة التدريس بقسم الإنتاج الحيواني، طبعة عام ١٩٩٦، صفحة ٣٨١).
٥ _ كما أن الوراثيون، أي علماء، وباحثين علم الوراثة، يعتبرون أن نوع : الحمام البري الصخري : Columba Livia، والذي يسمى أيضاً : Rock pigeon، والذي يطلق عليه أيضاً : Wild-type، أي النمط البري، أو الوحشي، هو المعيار، والذي منه إنطلقت كل التغييرات، أو التطورات، أو الطفرات الجينية، التي كانت سبباً في ظهور كل الصفات الجديدة، ومن ثم الأنواع الجديدة من الحمام.
فببساطة شديدة، تخيل أن أمامك، طائر حمام بري، النمط الصخري، وفي المقابل أمامك أي نوع آخر من الحمام المستأنس، فإذا قمت بوضع مقارنة بين صفات هذا، وذاك، بالتفصيل وبمنتهى الدقة.
فكل تغير ستلاحظه، وسترصده من هذه المقارنة، سببه في الأصل حدوث طفرة جينية.
والآن أكتفي بهذا القدر،و على وعد باللقاء بإذن الله تعالى، مع الجزء الثاني من هذه السلسلة.
أخوكم كرم فريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق